Articles

نظرة تحليلية للخطاب الجامع لسماحة الخليفة العام الشيخ محمد المنتقى امباكي

بقلم الدكتور سام بوسو عبد الرحمن

بمناسبة عيد الفطر ألقى شيخنا محمدٌ المنتقى امباكي الخليفةُ العام للطريقة المريدية خطاباً جامعاً ووجيزاً (15 دقيقة)، ومليئا بمعانٍ سامية لا تحصى، وفوائد جليلة لا تعد ولا تستقصى. وهو خطاب يفتح آفاقاً واسعةً أمام وحدةِ المسلمين في هذا البلد، ويضعُ أسساً متينةً لترسيخ السلام والوئام فيه، وهو خطابٌ منهجي يُحدد الأسسَ والمبادئ، ويبين الشروط، ويضع النقاط فوق الحروف، خطاب متسمٌ بالصراحةِ والصدقِ، ولكنَّه مفعمٌ بروح الأخُوَّة، ومشاعرِ العطف على المسلمين، والحرصِ على مستقبل هذا البلد وتماسكِ مجتمعِه. ويتضمَّنُ توجيهاتٍ، ووقفةً مهمةً حول العلاقات بين المسلمين في البلاد ودعوةً إلى الوحدة باعتبارها شرطا لتحقيق السلام.

  1. التوجيهات
    في مستهلّ الخطاب بعد عبارات الشكر الموجهة إلى إخوته ومريديه وإلى سائر المسلمين جدَّد الشيخُ الخليفةُ -حفظه الله تعالى ورعاه- توجيهاتِه وإرشاداتِه التي ما زال يُردِّدها في كل مناسبة، وتتمثل في:
    1- الأخذ بتعاليم الإسلام والتمسك بها قدر المستطاع؛
    2- الالتزام بما تقتضيه «الإرادة الصادقة» من واجبات وحقوق؛
    ج- التخلق بمكارم الأخلاق في معاملاتنا، وتجنب الأخلاق السيئة.
    يقول في مستهل الخطاب: «فلن نطيل الكلام؛ لأنّ ما أقوله يكون تكرارا لما سبق أنْ قلتُه: وهو أن نجتهد أكثر في مراعاة تعاليم ديننا وفي العناية بها، ونجتهد أيضا في مراعاة مقتضى «إرادتنا» وفي تحسينها، وأن نجتهد كذلك في علاقاتنا فيما بيننا، وفي التحلي بمكارم الأخلاق في معاملاتنا، وهي الأخلاق الحميدة الجميلة، وأن نحرص على مكافحة أضداد هذه الأخلاق الحميدة الموجودة فينا، ونضاعف جهودنا في تطبيق هذه الأخلاق في تعاملنا، من حيث الاحترامُ المتبادلُ، ونيةُ الخير، والتضامنُ؛ ابتغاء لمرضاة الله تعالى».
  2. وقفة حول العلاقة بين زعماء الإسلام و«الطريقة المريدية»
    وقف الشيخُ الخليفة -حفظه الله تعالى ورعاه- في خطابه وقفةً مهمة وفريدةً من نوعها حولَ الأخوةِ الإسلاميةِ بين مسلمي البلد، وقفةً وضَّح فيها الأساسَ الذي تنبني عليها علاقاتٌ سليمةٌ من شأنها أن تُفضيَ إلى الوحدةِ وإلى السلام وهو: الاعترافُ بـ«الآخَر» والتقديرُ لمكانته.
    فقد شكر سماحةُ الخليفة -حفظه الله ورعاه- المسلمينَ الذين هم إخوةٌ في الدين وفي النسب، وجيرانٌ في الوطن، وعلى رأسهم القيادات الدينية، شكرهم على جهودهم في مهمة خدمة الإسلام، وهي مهمة مشتركة. ثم نوَّه بالمجبة الصادقة التي يكنها عمومهم لجناب مولانا شيخنا أحمدَ الخديم رضي الله تعالى عنه، وما ينمِّه ذلك من موقف تقديرٍ لمكانة الشيخ الخديم ودوره رضي الله تعالى عنه مع إعطاء جنابِه حقَّه. يقول -حفظه الله تعالى-: «إنّ لدينا معرفةً واضحةً بشيءٍ يهمُّنا كثيراً وهو موقف إخواننا المسلمين الذين يعيشون معنا في هذا البلد تجاه الشيخ الخديم -رضي الله تعالى عنه-، الذي نضعه نحن نصبَ أعيننا؛ فعندنا علمُ اليقين بأنهم يُوفونه حقه، ومن أعطاك حقك فقد برئت ذمّتُه نحوك!».
    وهذا المبدأ المتمثل في الاعتراف والتقدير المتبادل أساس وشرط لا يمكن بناء علاقة متينة وسليمة بدونه.
    وبيَّن سماحة الخليفة -حفظه الله تعالى ورعاه- أيضا أنّ لهذا الاعتراف ما يبرِّرُه من سلوك الشيخ الخديم نفسه رضي الله تعالى عنه، وفقاً لقاعدة “الجزاء من جنس العمل؛ فاسمه الحقيقي هو «العبد الخديم»؛ فهو إذاً عبد الله -تعالى- وخديم رسوله -صلى الله تعالى عليه وسلم-، ولم يزل يدور في فلكي «العبودية» لله و«الخدمة» لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم. يقول: « هذا، وكان الشيخ، ولله الحمد والشكر، قد هيَّأ لنا كلَّ شيء، فاسمُه الحقيقي «العبد الخديم»، عبدٌ لله وخديمٌ لرسوله -صلى الله تعالى عليه وسلم-، فهو لا يكون سوى «عبد الله»؛ وأما علاقته بالرسول -صلى الله تعالى عليه وسلم-، فهو «خديم له» بإذن من ربه، فهو لم يفارق قط هذه المنزلة بين عبادة الله تعالى وخدمة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم».
    ولكن الخليفة -حفظه الله تعالى وأعلا مجده-، من ناحية أخرى، ذكر وأكَّد الموقفَ المطلوب من المريدين، استجابةً لذلك الموقف الإيجابي من إخوانهم، وهو الاقتداءُ بمولانا الشيخ الخديم -رضي الله تعالى عنه- في لزوم العبادة لله تعالى وخدمة المسلمين، وتحسين علاقاتهم معهم، فقال : «وإذا كان إخوتنا الذين تجمعنا بهم روابط النسب والدين والوطن يعرفون الشيخ الخديم [رضي الله تعالى عنه] ويعطونه حقَّه قدر َاستطاعتهم -ولا نشك فيه- فجزاء ذلك أن نقوم نحنُ بواجبنا، فنتمسك بعبادة الله تعالى كما يريدها منا، ويريدها الشيخ لنا، ونلتزم التزاما تامًّا بخدمته في الإسلام، وذلك بخدمته في المسلمين، وهكذا تكون استجابتُنا لإخوتنا المسلمين، وخاصة لزعماء الإسلام الذين يشاطروننا المهمة».
  3. الدعوة إلى السلام وبيان شروطه
    وقف الشيخ الخليفةُ -حفظه الله تعالى ورعاه- في خطابه على نقطة مهمة، وهي دعوة زعماء الإسلام إلى السعي لترسيخ السلام ليس في السنغال فحسب، بل في العالم كله، مع بيان شروطه التي منها:
    • الصدق في التَدَيُّنِ والتوجه إلى الله تعالى، وهو أساسُ أي تعاملٍ سليمِ بين المسلمين؛
    • وحدةُ الصف، ويقوم على وحدة الأهداف وتوحيد الجهود؛
    • التفاهم، ويتطلب التعارفَ والتواصلَ والتشاور؛
    • إخلاص النية في طلب مرضاة الله تعالى.
    فإذا تحققت هذه الشروطُ يتحقق «السلام» الذي يَنشُده العالمُ ولا يعرف كيف ولا أين يجده. يقول في الخطاب: «فلنضاعف الجهود في مهمتنا المشترَكة، وليكن همُّنا أن يكون إسلامُنا صادقا فينا، فإذا كنَّا صادقين في إسلامنا، وكنَّا متحدين ومتفاهمين، سيحِل السلام الذي ننشده لا في البلاد فحسب، بل في العالم كله!».
    فإن اجتهد الزعماء الذين قدَّمهم اللهُ -تعالى- وجعلهم قادة دينيين، وكان الإسلام صادقا فيهم واتحدوا وكانوا مسلمين حقيقيين، وطالبين لمرضاة الله؛ فإن ما يبحث عنه العالم ولا يستطيع أن يجده -وهو «السلام»- سيكون متحققا كما نريده.
    وهذه النظرةُ من مولانا الشيخ محمد المنتقى تَنِمُّ عن رؤيته البعيدة التي تتجاوز حدود البلد لترنو إلى آفاق رحبة تشمل العالم بأسره، وذلك باعتباره شيخا للمسلمين ومجددا لطريق القوم!
    إنَّ هذه الدعوةَ إلى «السلام» ليست وليدةَ اللحظة، فهي دعوةٌ أصيلةٌ وصادقةٌ، تمتدُّ جذورُها إلى الشيخ الخديم -رضي الله تعالى عنه- صاحب المنهج السلمي، فقد قدَّمَ نموذجاً في الدعوة السلمية والجهاد السلمي، ويمكن للعالم أن يستلهم هذا النموذج: واجه الشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه في حقيقة الأمر عدواً قوياً لدوداً سامَهُ ما لا يوصف من أنواع الظلم والتعذيب، ولكنه تحمَّل وصبر لوجه الله -تعالى- مُصمِّماً على إنجاز مهمته، وبعون الله -تعالى-، نجح في رفع راية الإسلام خفاقةً في هذه المنطقة، وهذا هو فحوى قول الشيخ محمد المنتقى «وإذا صدر منا هذا الكلامُ يمكن أنْ يصدقه الجميع نظراً لمواقف الشيخ الخديم [رضي الله تعالى عنه] في نشر السلام؛ فمن تأمَّل في أمره ورأى العدو القوي الذي واجهه حين ظهر، وعامله لعدة سنوات أشد أنواع المعاملة قساوةً وألماً، فتحمل وصبر لوجه الله تعالى، ولم ير سواه، وخدَم الإسلام خدمتَه الجليلة، حتى وصل إلى ما وصل إليه، ولم تُرق قطرة دم، فمن نظر في هذا الأمر يوافقنا إذا دعونا إلى سلام».
    ويختتم مولانا الشيخ الخليفة -حفظه الله تعالى ورعاه- خطابه بتمثيل جميل يُظهر حرصه على توثيق روابط الأخوة الدينية والطينية بين المسلمين وعلى حسن تجاوبه مع موقفهم الإيجابي تجاه الشيخ الخديم -رضي الله تعالى عنه- في قوله: «فهم مدُّوا إلينا يدًا، ونحن نمد إليهم يديْن!» تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ﴾ [النساء: 85].
    وفي النهاية، يمكن القولُ إنَّ هذا الخطابَ كثيف المبنى ورحب المعنى؛ فهو على وجازته لفظاً، يحتوي على أسُس السعادة الدنيوية والأخروية، وشروطِ تحقيق الأخوَّة الإسلامية التي تعتبر سلُّماً للوصول إلى «السلام» الراسخ الشامل، وهو خطابٌ يَدعو إلى التفاؤُل بمستقبلٍ مُشرق للإسلام في هذه المنطقة؛ لأنها أساسٌ للوحدةِ والتفاهُمِ والتضامنِ بين المسلمين.
    حفظ الله تعالى شيخنا الخليفة وأبقاه ذخراً للإسلام والمسلمين وجزاه عنا خير الجزاء.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى