Articles

مقال: الخِطابُ “المُريديّ” القَصصيّ (الدٍّيوانيُّ) والخِطابُ “المُريديّ” العِلميّ

بقلم: سَرين امباكي جوب خضر الطوباوي

إنَّ مما لا لجاجة فيه أنَّ للطَّريقة المريدية التي أسَّسها الشَّيخ الخديم – رضي الله عنه – خِطابيْنِ أساسيْنِ مترابطيْن، وهُما:
1- الخِطاب المُريديّ العلميّ وهو الذي يقوم بإلقائهِ بعض العُلماء البارعينَ الذين يعتمدون على مَراجع عِلمية صَحيحةٍ، ولا يروجون أباطيل مزخرفة، أو قصصًا واهية.

ولا شَكَّ أنَّ هؤلاء العُلماء ينشُرونَ عُلُوما نافعةً ويقُومون بتأويلاتٍ صَحيحةٍ رصينةٍ في ثنايا مُحاضَراتهم الأكاديميةِ وبَرامجهم الإذاعية والتلفزيونية التي يأتُون فِيها بدراسة بعض الأحداثِ التَّاريخية التي يُشيعها وينشُرها الذين يدعون تبليغ رسالة شيخنا الخديم – رضي الله عنه – دراسة علمية موضُوعية.

حَقيقةً إنَّ هؤلاء المذكورينَ لم يحرصُوا على اقتناء القناطير المُنقطرة من الذَّهب والفضة فِي المُحاضراتِ التي يقُومون بهَا، ولا يُقدِّمون مَصالحهُم عَلى نَشر الحَقائقِ التّاريخية وغيرها ولا يُبدِّلونَ المَعاني الصَّحيحةَ لإرضاء النَّاسِ؛ لأنَّهم يعرفُون معرفة تامة أنَّ رِضى النَّاس غاية لا تُدركُ، بَل جَعلوا همَّهم همًّا واحدا وهُو خدمة الشّيخِ الخَديم – رضي الله عنه – خدمة سَنية، حيثُ يتجشمون العناء الكبير لإحقاق الحق الأبلج ودَحض الباطل اللجلج.

2- الخِطابُ المُريديّ القَصصيّ (الدٍّيوانيُّ) [1] وهُو الذي يلقيه في الغالبِ الذين يدعون تبليغ رسالة الشيخ الخديم – رضي الله عنه – أعني قصّاص الجيبِ الذين قد يعتمدُون عَلى بعضِ الرِّواياتِ الشّفوية التي قد تخالفُ تماما لِتعاليمِ الشَّيخ الخديم – رضي الله عنهُ – وتُناقضُ الأصُول التي قامت عَليها الطَّريقَة المُريدية وهي التقيُّد بالكتاب والسنة والعضّ عليهما بالنواجذ.

والأعجبُ مِنَ هؤلاء الذين يدعون تبليغ رسالة الشيخ الخديم – رضي الله عنه – أعني (قُصّاص الجَيبِ) أنَّهُم يعدُّونَ الشَّيخ الخديم – رضي الله عنه – سِلعةً روَّاجةً وطريقًا لِلكسبِ السَّريعِ؛ الأمر الذي جَعلهُم يلجؤون إلى ابتِكارِ سلسلةٍ مِنْ قِصصٍ واهيةٍ غريبة، وخزعبلاتٍ سخيفةٍ، ورواياتٍ معسُولة جَذابة من عند أنفسِهم لكَسبِ لُقمة العَيشِ ولاستمَالة البَرايَا إلى شَخصياتهم، والأكثَرُ منهُم يُرخصون الجَنَّة للمُريدينَ فِي ثَنَايا مُحاضَرَاتِهم الفُولكلُوريةِ وبَرامجهم الإذاعية والتلفزيونية ويُفسِّرونَ أبيات الشَّيخِ الخديمِ – رضي الله عنه – أو يُؤَوِّلونها تأويلات فاسِدة، فَأقبل إليهم جَمٌّ غفيرٌ من المُريدينَ الذين يتبعون مصالحهم فِي هَذه الحَياة الدُّنيويةِ الفانيةِ بما فيهم مِنْ مَشايخ وأتباع يقُومُونَ دَومًا بِمُساندتهم بكلّ ما لدَيهم مِنْ قُوّةٍ !!!

وفي بعض الأحيان نَسمع من المُحاضرين المُنحرفين الذين أسميتُهم بـِ(قُصاص الجَيب) إن صحَّ التعبير كلمات تَنطوي فِي ثناياها على نمط من السُّخرية والاحتقار، يتفَوهون بها تكبرا أو استيلاء على المَشايخ الآخرين؛ الأمر الذي قَد يُفضي إلى التباغض والتحَاسد والتنافر الذي حَرمه دين الإسلام الحَنيف قَديما.

بيَّنَ لنا قُدوتنا وحبيبنا الشيخ أحمد الخديم - رضي الله عنه - بيانا شافيا في قوله هذا محبَّتهُ لجميع الصَّالحينَ [2]: 

رضيتُ باللَّه الكَريم ربَّا = مُكتفيا دفعًا به وجَلبَا
وقَد رضيتُ برسُول اللَّه = له صَلاته بلا تناهِ
مع سَلامه نبيًّا ورسُول = وبكتابِه وبالبيتِ دَليل
وقبلةً وبجَميع الأوليَآ = مَشايخا ترشُدنِي لربيَا
معَ تقيُّديَ ذا اتقَان = بالجِيل والشاذلِي والتيجَاني
وقد رضيتُ بجَميع العُلمآ = العامِلين رُفقةً مُحترمَا
وبالذين أسلمُوا والمُسلمات = إخوة دين ربّنا وأخوات
مع تقيُّدِيَ ذا إقلاع = بالذكر والحَديث والإجماع
مُنصرِفًا لله جلَّ وعلا = بِذي الثلاثة وأرتَجي العُلى

وقال أيضا فِي منظومتهِ (التوبة النَّصوح):
اللَّه رَبِّي وَهُدَى الْإِسْلَامِ = دِينِي وَأَفْضَلُ الْوَرَى إِمَامِي
رَضِيتُ بِالْإِسْلَامِ دِينًا لَا يَزُولْ = وَبِمُحَمَّدٍ نَّبِيًّا وَرَسُولْ
رَضِيتُ بِالْقُرْءَانِ أُنْسًا وَدَلِيلْ = أَعْبُدُهُ جَلَّ بِهِ إِلَى الرَّحِيلْ
حَبَانِيَ الْوَهَّابُ بِالْكِتَابِ = وَبِرَسُولِهِ وَبِالْأَقْطَابِ
مَشَايِخِي سَيِّدُنَا الْجِيلَانِي = وَالشَّاذَلِيُّ مَعَهُ التِّجَّانِي
أَئِمَّتِي فِي الْفِقْهِ مَالِكُ الْعَلِي = وَالشَّافِعِي وَالحَنَفِي وَالحَنْبَلِي

ولا شَكَّ أنَّ هَذا العملَ قد يؤدّي إلى تَشويهِ سُمعة المُريدينَ وتَشويهِ كنه الدَّعوة الخديمية الحركة الاصلاحية والتجديدية، حيثُ طفقت تزحف إلى الطريقة المُريدية دخيلات جديدة وانحرافات كثيرة من قِبَلهم التي تعتبر من أكبر التَّحدّيات الدّاخلية والخارجية.

وقديما قُلنا: “إنَّ القصائد الخديميةَ تُرثي وتئنُّ في هذه الآونة الآخيرة لكثرة قُصَّاص الجَيبِ الذينَ يُحرفونَ المعاني تجَرؤا وعَمدا لكسْب لُقمة عَيشهم، فهَل لها مِن مُّصغ فَطينٍ لبُكائِها ؟؟!! “.

يجدر تأديبُ كل مُريد جاوز الحُدود عن تعاليم الشيخ الخديم – رضي الله عنه – بشكل فاحش كما نرى ذلك بأم أعيننا ونسمعه بآذاننا في بعض الأحيان أمام الملأ بدون رأفة ليَكون زجرا للجَاهلين الذين يفسدون ويُشوّهون سُمعة المريدية. والله لو حدث ذلك لسَكت كثير من أهل الخزعبلات وأهل الترهات ولرجَعت الهيبة التي كانت تتمتع بها المريدية من قبل.

  • يؤولون كلامه تأويلا فاسدا؛
  • ويفرطون أحيانا بدعوى الحرص ومحبة الشيخ الخديم؛
  • ويتركون تعاليمه وراء الحائط ويعتمدون بعقولهم الضعيفة؛
  • ولا يكترثون بتصريحات وبيانات أكابر علمائنا؛
  • ويجهلون أو يتجاهلون عن تعاليمه الواضحة من بعد ما تبيّن لهم الحق – إلا من رحم ربّي منهم -.

وقُصارى القول جُهدَ رأينا نَعتقد أنّ شباب المريدينَ اليوم بحاجة ملحة لِمعرفةِ حقيقة الدّعوة الخديمية وأفكاره النّيرةِ والتَّخلُّص من سَذاجةِ بعض الدِّيوانيينَ الذين يُبلّغون رسَالةَ الشَّيخِ الخديم – رضي الله عنه – في مُعظمِ الإذاعات والتِّلفازياتِ – حاليا – بغباوةِ وحماقةِ، ويشيعُون فيها سِلسِلاتٍ من الخُزعَبلاتِ لَيلَ نهارا سِرًّا وجِهارًا.

ألم تحن في هذه الآونة الأخيرة أن تحصُل الطريقة المريدية عَلى مؤسسة إعلامية رسمية فعّالة تُبثُّ فيهَا تعاليم الشيخ الخديم – رضي الله عنه – وِفقَ ما رسَمه بشكل جيّد تُصدرها وتُديرها الخِلافةُ المريديةُ ؟!!

وأخيرا، نتمنى أن يلقى هَذا المقال آذانا صاغية، وأن يسلك هولاء الذين يسيئون إلى هذه الرسالة مسلك الشيخِ الخديم – رضي الله عنه – الذي يقُولُ:
بِالله دُومُوا فِي اعْتِصَامٍ وَاعْمَلوا = بِمَا بِهِ جَاءَ الْأَمِينُ الْأَعْدَلُ
بِمَا بِهِ قَدْ جَاءَنَا مِنَ الْكِتَابْ = تَمَسَّكُوا وَبِالْحَدِيثِ وَالصَّوَابْ
هَذِي طَرِيقَتِي وَفِيهَا أَلْمَعُ = طَرَائِقَ الْقَوْمِ الَّذِينَ جَمَعُوا
فَهِمْتُهُ عَنِ الْكَرِيمِ الْمُلْهِمِ = مُسْتَغْنِيًا بِهِ عَنِ الْمُفَهِّمِ
لَجَأْتُ لِلْكَرِيمِ بِالْكِتَابِ = وَبِالْحَدِيثِ ثُمَّ بِالصَّوَابِ
يَقُودُنِي إِلَى انْسِلَاخِي مِنْ بِدَعْ = تَمَسُّكِي دَأْبًا بِمَا الْهَادِي شَرَعْ
عَاهَدْتُ رَبِّيَ عَلَى الْعِبَادَهْ = بِسُنَّةِ الْمُخْتَارِ خَيْرِ السَّادَهْ
مَعَ تَعَلُّقٍ بِهِ وَخِدْمَهْ = لَهُ لِوَجْهِ الله مُولِي النِّعْمَهْ
لَهُ عَلَيَّ الْعَهْدُ فِي تَحْلِيلِ مَا = حَلَّلَ مَعْ تَحْرِيمِ مَا قَدْ حَرَّمَا
عَاهَدْتُهُ أَيْضًا عَلَى تَرْكِ ابْتِدَاعْ = مُسْتَهْجَنٍ لِّوَجْهِهِ قَصْدَ اتِّبَاعْ
مِنْ يَوْمِ كَتْبِيَ لِذَا النِّظَامِ = مُعَاهِدًا لَّهُ إِلَى حِمَامِي
لَا حَوْلَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالْإِلَهْ = وَمَا لَنَا فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ سِوَاهْ
أَعْبُدُهُ جَلَّ بِلَا إِشْرَاكِ = وَأَخْدِمُ الْمَاحِيَ بِاسْتِمْسَاكِ
صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الله = وَالْآلِ وَالصَّحْبِ وَمَنْ وَالَاهُ
أَكْرَمَ ذُو الْجَلَالِ مَنْ لَهُ الْتَجَا = بِسُنَّةٍ جَامِعَ خَوْفٍ وَرَجَا .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نشكركم كثيرا على هذا الإنجاز الإعلامي المتميز. وندعو الله أن يأخذ بأيديكم إلى الأمام.. ونحن من متابعيكم ومشجعبكم على هذا العمل الانساني النبيل.
    ولكم جزيل الشكر مقدما..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى