actualite

قبل قيام السعودية الأولى كهف يعبد بالخرج وأشـجـار تعظـم للإخـصـاب

سعود المطيري

أوجز المؤرخ بن غنام الفترة المبكرة لنشأة الدولة السعودية الأولى وكان مع بن بشر معاصرين لها في أوج مجدها إضافة إلى كثير من زمن الدولة السعودية الثانية ودوّن بن غنام أخبار الأوضاع الدينية لدى أهل نجد قبل قيام الدعوة الإصلاحية ومن وصفه يتضح أنه كان هناك تراخ بالتمسك بتعاليم الإسلام مع وجود لبعض المعتقدات الوثنية المختلفة حيث اعتاد الناس تعظيم قبور بعض صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قرب الدرعية وكانت أشجار معينة تزار لاعتقادهم بأنها تساعد في الإخصاب كما كان هناك كهف يعظم و(ولي) من الخرج يعظمه أتباعه لاعتقادهم بأنه يحقق المعجزات ولديه القدرة لتحقيق رغباتهم ويزعمون أنه كان أعمى لكنه لا يحتاج إلى قائد واعتقد فيه الناس بالدرعية والبلدان المجاورة بما فيها الرياض.

وبحسب المؤرخ البريطاني وليام فيسي في كتابه الرياض المدينة القديمة فإن مثل هذه البدع إن وجدت في منطقة نجد فقد كانت سائدة في العالم الإسلامي المعاصر لحركة الإصلاح التي دعى لها الشيخان محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب وبالتالي فمنطقة نجد لم تكن حالة غير عادية ويرى وليام بأنه في نفس الوقت ينبغي أن يعطى وزن مماثل لنمو التعليم الإسلامي المعاكس لما هو سائد خلال القرون الثلاثة السابقة للحركة الإصلاحية المشار اليها كما لا ينبغي تجاهل اشتراك أهل نجد في قوافل الحج السنوية مثل تلك التي يقودها الجبور أمراء الأحساء قبل وبعد سنة 1500م وحج أمير الدرعية في سنة 1630م وأهالي البلدان النجدية يعدون أنفسهم دون أدنى شك مسلمين وحتى لو قصرت معتقداتهم وسلوكهم دون التمسك بالتعاليم الصحيحة التي يؤكد عليها بعض المشائخ وقتها ولا يعدوهم بسببها مسلمين حقيقيين على أن الأمر مع بعض العرب في الصحراء مختلف فيظهر أنهم فقط يعتقدون بوجود إله واحد وأن محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيه أما العبادات الأخرى مثل الصلاة المفروضة وصيام رمضان فتؤدى حسب أوقات فراغهم ويحكم حياتهم العرف معتقدين أن الشريعة والقرآن والدين بصفة عامة خاص بسكان الحاضرة وليس لهم.

ومع انطلاق دعوة الإصلاح من العيينة بمناصرة من حاكمها عثمان بن معمر بدأت مباشرة في تطهير العيينة من الممارسات الخاطئة والمزارات التي يعتقد بها الناس ومع وصول أخبار نشاطات الشيخ وصلت حاكم الأحساء ابن عريعر الذي هدد بقطع المعونة التي يدفعها للعيينة ما لم توقف الدعوة الجديدة وبما أن هذه تضحية شعر بن معمر أنه غير قادر على القيام بها فطلب من الشيخ مغادرة العيينة الذي غادرها واختار الذهاب إلى الدرعية. فكانت نتيجة هذه الحركة الجديدة تحالفا دينيا سياسيا بين الشيخ وحاكم الدرعية محمد بن سعود..

وافق الحاكم على مناصرة المبادئ التي يدعو إليها الشيخ سياسيا وعسكريا مقابل أن يقدم الشيخ التأييد والنصيحة فكانت بداية صعود الدولة السعودية الأولى بفضل التحالف بين الحاكم والمصلح الديني.

ومع أن أعداء الدعوة الجديدة أطلقوا عليها مسميات على سبيل الانتقاص مثل تسميتهم بالوهابية إلا أن مثل تلك المسميات فقدت منذ زمن طويل مضمونها الطعني. وبالمقابل كان اتباع الشيخ يسمون أنفسهم ببساطة المسلمين أو الموحدين وبهذا فهم يبعدون أنفسهم عمن يعدونهم مبتدعة.

كان الدافع الأساسي لدعوة الإصلاح تلك العودة إلى البساطة الشديدة لأول الإسلام وإنكار البدع في الدين وتضييق الاجتهاد باتباع مذهب أحمد بن حنبل مؤسس أكثر المذاهب الفقهية السنية محافظة. ويدعو بن حنبل حسب وصف وليام إلى التمسك الشديد بنصوص القرآن الكريم وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ويندد بالتبرك بالأولياء والتوسل بهم وتعظيم المزارات وغيرها من البدع وكانت العقيدة المركزية للإصلاح هي (التوحيد) الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء واحد أحد لا شريك له ومن ثم فعبادته عبر توسط الأولياء وأصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدعة تعني الشرك بالله وكان هذا الأصل في هدم المزارات والقبور. فكان هدف جماعة الموحدين تطبيق شرع الله الذي يتساوى أمامه كل العباد ومسؤولية الحاكم تطبيق الشرع بكل حزم ونشر حكم شرع الله وهذا هو الوجه العسكري لدعوة الإصلاح وعلى هذا شهدت المرحلة إنشاء الشرطة الدينية (المطاوعة) في مثل هذا المجتمع لا يوجد تمييز يمكن تصوره بين أمور الدين وأمور الدنيا فكانت الدرعية البوتقة التي تمت فيها محاولة تطبيق المبادئ الدينية سياسيا واجتماعيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى