Articles

صفحات خالدة من تاريخ شيوخ الأزهر (1 )

د. عبد اللطيف طلحة

ليس على وجه الأرض مؤسسة قامت بعملها على أكمل وجه بدون مقابل، إلا مؤسسة واحدة عملت في صمت
وواجهت المغالين والمتطرفين ، ويبدو أن الله تعالى قَيَّضَها للمساعدة في نشر دينه الحنيف ،وهيئ لأغلب من يقوم على أمرها أصلح الناس قولاً للحق ووقوفاً في وجه الظالمين في بقاع المعمورة ، شمس لا تغيب ضيائها إنه الأزهر الشريف .
في خلال السطور القليلة نُطلع القارئ الكريم على المواقف التاريخية التي قام بها بعض شيوخ الأزهر ،وكانت مواقفهم دعماً للثوابت الدينية التي أضحت تراثا يتدارسه الأجيال ويتغناه المنصفون ليس في مصر فقط بل في أصقاع العالم نذكر منها بالآتي :
أولا : الملك فاروق حاكم مصر إبان أربعينات القرن الماضي، لم يكن على وفاق مع شيوخ الأزهر الذين تولوا منصب الإمام الأكبر في عهده فكان الصدام قائماً مع الشيخين الجليلين المراغي، وبعده الشيخ البشري ،في البداية طلب الملك فاروق من الإمام المراغي، إصدار فتوى دينية تحرم طليقته وأم بناته الملكة فريدة من الزواج بأي شخص آخر بعد طلاقها منه، إلا أن المراغي رفض إصدار هذه الفتوى قائلا «أما الطلاق فلا أرضاه، وأما التَّحريم فلا أملكه، ولا أستطيع تحريِم ما أحل الله»…عبارة شهيرة لمحمد بن مصطفى بن محمد بن عبدالمنعم المراغي، أحد أبرز مشايخ الأزهر، ردًا على طلب الملك فاروق منه بإصدار فتوى تحرم على زوجته الملكة فريدة الزوج مرة ثانية عقب طلاقها منه ،وذكر الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، في إحدى حلقات برنامجه “والله أعلم”، أن فاروق، ضرب المراغي، بـ”طفاية سجائر كريستال”، بعدما لم يتحكم في غضبه بعد رفض المراغي طلبه، مؤكدًا أن الأخير توفي في المستشفى بسبب تلك الإصابة.
ثانيا : الصدام الثاني كان مع الإمام الشيخ البشري، عندما كان يقضي الملك فاروق إجازته في إحدى الدول الأوروبية، وكان معروفاً أن رحلات الملك مليئة بالبذخ والإسراف ، وفي هذه الرحلة طلب “البشري” من الحكومة تخصيص مبالغ مالية لإنشاء معاهد دينية، لكن الحكومة رفضت هذا الطلب، بحجة أن الميزانية لا تكفي فكان رده الذي يتذكره الاجيال السابقة واللاحقة كلمات معبرات عن واقع مرير حيث قال: “تقصير وتقطير هنا وتبذير وإسراف هناك”، فغضب الملك ليصدر أمراً ملكياً بعزله من منصبه.
ثالثا : في عهد الرئيس جمال عبد الناصر تعرض الشيخ محمود شلتوت الذي تولى المشيخة عام 1957 لضغوط كبيرة انتهت بتقديم استقالته عام 1963، اعتراضا على قانون الأزهر الذي همش الأزهر وقلل من صلاحيات شيخ الأزهـر وحَدّ من إمكانياته في إدارة شئونه، وأعطى بعض هذه الصلاحيات لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، وتوفى الشيخ شلتوت في 13ديسمبر 1963م بعد عمر امتد لسبعين عامًا.
رابعاً :أصدر الرئيس الراحل انوار السادات قرارا بتعين الشيخ عبد الحليم محمود شيخاً للأزهر في 27 من مارس 1973م، وكأن هذا هو المكان الطبيعي الذي أعدته المقادير لهذا العملاق ، وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديد من رئيس الجمهورية في (17 من جمادى الآخرة 1394هـ 7 من يوليو 1974م) يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، وما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرا أن هذا القرار يقلل من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي والإسلامي ،رُوجِع الإمام في أمر استقالته، وتدخل الحكماء من رؤساء الدول والحكومات لإثنائه عن قراره، لكن الشيخ أصر على استقالته، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي، وتقدم أحد المحامين الغيورين برفع دعوى حسبة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، طالبا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية ،وإزاء هذا الموقف الصلب الملتهب اضطر الرئيس السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قراراً أعاد فيه الأمر إلى نصابه، جاء فيه: شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرئاسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر .
وللحديث بقية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أكاد أجزم بأن السيد عبد اللطيف طلحه جلعني حريصا على متابعة موقعكم وجريدتكم القيمة ، مقالته رائعة وطيبة وسأحرص على نشرها في الجزائر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى