Articles

رمضان .. ومائدة أم العيال !

أ. نغانج سيك أبو زينب

إنّ هذا الذي أكتبه -اليوم- أرجو أن يقرأه كل أحد إلاّ أمّ العيال لأنّها يحزنها ما يحزنني؛ لا أُشاك بشوكة إلاّ وجدت ألم ذلك في قلبها كما أجده أنا في رجلي.
شاء الله أن خرجت في رحلة إلى إحدى المدن السعودية؛ فَلَمّا اقترب وقت الافطار اتصلت بأحد الإخوة، وطلبت منه الضيافة، فقال ممازحا أقبل لكن ضيافتك في الحرم؛ وقد كان بيني وبين الحرم قرابة ٧٠ كيلو.
وفجأة وجدت نفسي غريبا؛ وتذكّرت أيام كنت في هذه الحياة وحيدا فريدا لا زوج ولا مال؛ المهمّ قلت: خلّني أدخل أقرب مسجد، وأمشّي الحال بما يتيسّر؛ دخلت فأصبت تمرا وماءا ولبنا؛ وتذكّرت الحالة التي أنا فيه اليوم، والتي كنت فيها أمس؛ فقلت ليس بيني وبين الغربة إلا أمّ العيال فهي الجدار الواقي، فإذا انهدم رجعت إلى ما كنت عليه.
تذكّرت مائدة أم العيال في رمضان فخرجت بنتيجة لعلّكم توافقونني عليها: ليس الغريب من يغادر البلاد، ويغيب عن الأوطان؛ ولكن الغريب -حقًّا-من لا زوج له.
إنّ هذا النعيم الذي نعيشه في الدنيا؛ لو أذهب الله عنه النساء لصار جحيما؛ ولتنمنّى كثير منّا الموت؛ هذه هي الحقيقة وإن زعمنا غيرها، ولكي تدرك ذلك فقارن بين العزوبية والزواج.
فالحسنة الوحيدة التي يمكن أن نعترفها للعزاب في رمضان، هي إيقاظ الناس في السحور! لأنّهم لا ينامون ! يتجوّلون في الشوارع! وإذا فتحت خبزا وفيه التونة والفلفل فلا ترمه، فهو لأعزب ينتظر الأذان أن يرُفع! فيدخل في معركة مع خبزه! وإذا دخلت سيارة أعزب، فإيّاك إيّاك أن تجلس قبل أن تتأكّد من خلوّ المكان ممّا يؤذي، وإلاّ فلا آمنك -والحالة هذه- أن تضع يدك على سكّين أو إبرة! فإنّ القوم يعيشون حالة نفسية لا يعلمها إلاّ الله، وإذا دخلت بيت أحدهم فوجدت القدر الذي يحوي الطعام على السرير! والجهاز الكمبيوتر على طاولة المطبخ! والأثواب ملقاة على الأرض! والنعال فوق الكراسي! وبقايا الطعام في صالة الاستقبال! والنوافذ مفتوحة وبدون ستائر! والطعام غير مستو! ووبعض التراب في العصير! والشاي باردا! والأكواب من بلاستيك! والأشواك والملعقات عند الباب! وأثاث البيت مغبرّة! إذا رأيت هذا في بيت أعزب فلا تستغرب! لأنّ الله أبى أن تنضبط البيوت إلاّ على أيدي النساء، صانعات الجمال! ولك أن تتصوّر دولة بدون الوزارة الداخلية، كيف يكون حالها! فكذلك البيت إذا استقالت وزيرته الداخلية،
بالمرأة وحدها تمشي أمور البيت! ويكون لأهله الراحة والطمأنينة، لو بنينا قصرا منيفا، بدون زوجة صالحة تديرها، فقد ذهبت الأموال إلى لصق طوب بآخر، ورفع بناء، ولم تذهب إلى خلق السعادة! ولا فرق بين هذا القصر وبين المقبرة، إلاّ أنّ الأوّل يدخله الأحياء، والآخر يدخله الأموات.
ليس عيبا على الرجل أن يكون بيته مبعثرا، ولكن عيب عليه أن يجلس مكتوف الأيدي، لا يبحث عمّن تلملم له شتات البيت، وتزرع فيه السكن والهدوء اللهم زوّج العزاب وصبّ عليكم الرزق صبّا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى