Articles

دور وجهود المغرب بقيادة جلالة الملك في دعم دول القارة الإفريقية لتحقيق التنمية

عـتيـق السعيد

عملت المملكة المغربية منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش المجيد على ترسيخ قيم مبادئ التضامن بين شعوب القارة الافريقية في مختلف الأزمات والظروف العصيبة التي تشهدها، من خلال سيل من المبادرات الإنسانية الميدانية التي تميزت بسرعة التفاعل التضامني والتجاوب مع الأحداث والوقائع المستعجلة، كما جسدت من خلالها بلادنا السبق في وضع أسس التعاون الميداني عبر مختلف المقاربات التكافلية والتآزرية قوامها وضع تصورات وتوجهات بالقارة الافريقية بغية مساعدة شعوبها، ومواكبتها المستمرة على تجاوز مختلف الإشكالات والعوائق في أفضل الظروف

في ذات السياق، ان دعوة جلالة الملك إرساء تحالف إفريقي فعلي لمواجهة الجفاف بالقارة الإفريقية تعد خطة عمل أساسية لتحقيق التنمية الفلاحية المفضية الى مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع التطرف، حيث تروم هاته المبادرة في بعديها الآني والإستباقي، وضع تصور عملي فعال وناجع يساهم في تأمين مقومات الأمن الغذائي بالدول الافريقية في سياق ما يعرفه العالم من تحولات اقتصادية ومتغيرات اجتماعية جراء الجوائح والأزمات المتسارعة، من جهة، ومن جهة ثانية تنسجم مع أهداف التنمية المستدامة باعتبارها رؤية تدبيرية لحشد جهود الدول الإفريقية من أجل التصدي للتحديات الخطيرة المتصلة بمعضلة التنمية لاسيما في ترابطها بشكل مباشر وغير مباشر مع قضايا التطرف والإرهاب، وبالتالي معالجة الظروف المؤدية إلى استغلال كل أشكال الفقر والهشاشة بغرض تمويل انتشاره

تأكيد جلالته على أهمية تبني منهجية عملية تجعل القطاع الفلاحي قاطرة للتنمية بالقارة الافريقية عبر إرساء تحالف إفريقي فعلي لمواجهة كل أشكال التغير المناخي الذي ما فتئت آثاره الوخيمة التي تتزايد بفعل تعاقب موجات الجفاف بشكل أكثر حدة وتدميراً، وما ينتج عنه من تدهور للتربة، يشكلان تحدياً كبيراً وحقيقياً للمجتمعات الافريقية، حيث تدفع آثارهما الى تدهور سلسلة الإنتاج الاقتصادي/التضامني ما يشكل عاملا يسهم في استفحال أوجه الضعف والهشاشة التي تعد ظروف مواتية للاستغلال الغير مشروع للفقر وتوجيهه نحو انتشار اوسع للإرهاب وتمويل التطرف

إن تقوية ركائز الأمن الغذائي لشعوب القارة السمراء أصبحت ضرورة يفرضها الواقع ويدعمها الايمان بحتمية أن التغير المناخي مستمر، وبأن الموارد المائية آخذة في التناقص، فضلا عن تزايد أعداد السكان، وتوسع نطاق المدن، في مقابل انحسار الأراضي الزراعية وتدهورها، وهي عوامل داخلية تنضاف الى أخرى خارجية تستلزم بشكل مستعجل تحصين الأمن الإنساني القائم على مبدأ التعاون والتضامن بين الدول الإفريقية لمكافحة الإرهاب

هذا، وعلى اعتبار ان كل منطقة تتعرض لظروف عصيبة تهجرها الحياة يستوطنها انعدام الأمن، وعليه فالمناطق المعروفة بتدهور ظروفها البيئية بشكل بالغ، هي في الغالب، المناطق نفسها التي تندلع فيها الصراعات والنزاعات، ويضطر فيها السكان للنزوح والهجرة حيث تسعى الجماعات الإرهابية والانفصالية إلى التسلل إليها، وبالتالي يتطلب الوضع تنسيق الإجراءات المشتركة بدول القارة من أجل مكافحة الإرهاب، وأيضا تصنيف الأفراد والكيانات الممولة للأنشطة الإرهابية والإعلان عنها وكشفها أمام المنتظم الدولي لمواجهة تهديدات تمويلها الخفي للإرهاب ونعراتها الداعمة الانفصالية بالدول المغربية وفي مقدمتها جبهة ”البوليساريو“ الإرهابية التي تشكل تهديدا خطيرا لأمن واقتصاد دول القارة، باعتبارها أضحت أرضا خصبة للجهادية الإسلامية ولفكر التطرف العنيف بإفريقيا

وبالتالي فإن تحقيق التنمية الفلاحية بالقارة الافريقية يفضي بنفس الدرجة الى ترسيخ الأمن الإنساني كمكسب ضامن لردع فعال وناجع لكل أشكال الاستغلال البشري الذي تنتهجه الجماعات الإرهابية الانفصالية ، والتي تجد الفقر والهشاشة مرتعاً خصبا لاستفحال معضلات البطالة والإقصاء، وضعف فرص الشغل والأنشطة المدرة للدخل، لإذكاء نعرة التطرف، وهو نفس المنهج المفضوح الذي تتخذه جماعة ”البوليساريو“ المرتزقة التي تؤكد تقارير لوكالات الاستخبارات ومراكز الابحاث صلتها مع الجماعات الإرهابية وأيضا الشبكات الإجرامية العابرة للحدود التي تنشط في مجال تهريب الأسلحة والمخدرات في المنطقة الافريقية

المغرب قدم صورة واضحة المعالم للطريقة التي نهجها لتطوير عمل الاتحاد الإفريقي المبني على قيم التشارك والعمل الجاد بغية النهوض بالقارة التي هي الأصل في بناء التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكافة الشعوب الافريقية، وبما ان تحقيق التنمية الفلاحية وتعزيز الامن الغذائي والإنساني، كما يعتبران مداخل اساسية للتنمية المستدامة، نظرا لتعدد وظائف هاته الأخيرة خصوصا منها المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تجعل منها المحرك الطبيعي للاستقرار الاجتماعي، بالإضافة الى انها تبقى أهم مشغل ومصدر رئيسي للدخل الأسري لمختلف شعوب القارة

إن تأكيد جلالة الملك العزم الراسخ على محاربة الجفاف وآثاره المشترك، بسلاح العمل المنسق والتضامني بين دول القارة، يؤكد حرص جلالته على جعل إفريقيا ضمن الأولويات الرئيسية للمملكة، كما أنه ليس من قبيل الصدفة أن يكون المغرب ثاني أكبر مستثمر في إفريقيا، فالمملكة المغربية تحظى بالمصداقية والثقة في غرب ووسط أفريقيا، باعتبارها أول مستثمر له حضور قوي على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي والديني، مكنها من أن تكون شريكا دائماً في بناء الدول الإفريقية القوية والمستقلة على أساس احترام سيادة بلدانها، ووحدتها الوطنية، وهي مكانة بارزة قاريا قامت على رؤيته استراتيجية/اندماجية بعيدة المدى، أيضا سعيها الدائم تبني سياسة تنموية للبناء القاري من خلال معرفتها الدقيقة بالواقع الإفريقي

المغرب بفضل حكمة وجهود جلالته مرابطا على التعاون منذ بداية هذا التكتل القاري بإفريقيا وشريكا أساسيا، و داعما رئيسيا لقضايا القارة في مختلف المجالات، وبالتالي تجسد هاته المبادرات حرص جلالته على جعل دول القارة الإفريقية في مختلف الأوضاع و الظروف ضمن الأولويات و الانشغالات الرئيسية للمغرب، الذي ما فتئ يؤكد بالملموس دوره الفاعل و الدينامي في خدمة قضايا شعوب القارة، و برهن عن ديمومة التضامن والتكافل في سبيل حل الأزمات التي تواجه القارة، و بالتالي هاته المبادرة، تعكس بشكل مشهود له مكانة المغرب وما يتميز به من قوة الاقتراح و التفكير المستمر في إيجاد الحلول الآنية و الاستباقية لشعوب القارة، وهو تأكيد واقعي على أن الدول الأفريقية وجدت المغرب دوما بجانبها

ان الحاجة الى تحقيق الأمن الغذائي تتأثر وتؤثر على جوانب عديدة من الأمن الإنساني ، لاسيما في تفاعلاته مع الجهود المستمرة لمحاربة الإرهاب والتطرف، ذلك لأن استتباب الأمن يدعم الانصهار في الأمن الاجتماعي الذي يوفر البيئة الآمنة للوعي ويشكل حافزاً للعمل والانطلاق إلى آفاق التنمية البشرية، وعليه ان التنمية في مختلف المجالات تبقى أفضل السبل لردع الإرهاب وتفكيك منابعه

في الختام يمكن القول ان جلالة الملك من خلال اقتراح مجموعة من المبادرات والاوراش بالقارة الإفريقية قد أَوفَى بالوَعد والعَهد في جعل افريقيا من أولوياته في جميع الظروف والأوضاع المختلفة، هذه المواقف دفعت في غير مرة مؤسسات دولية وصف المغرب بأنه ركيزة داعمة للتنمية في المنطقة الإفريقية ، بما تضمن تحقيق الأمن والتكافل الاقتصادي والاجتماعي لكافة شعوبها.

باحث أكاديمي ، ومحلل سياسي مغربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى