actualite

دور الأزهر الشريف في نشر الثقافة الإسلامية في دولة السنغال

الدكتور / محمد حسني عمران

من المعلوم أن الثقافة بوجه عام تمثل هوية الأمة وخصوصيتها ولهذا فالثقافة الإسلامية الجانب المعياري فيها يستمد من الشريعة الإسلامية وأساس بنائها هو العقيدة الإسلامية.
ومع هذه الخصوصية فلا مانع من الانفتاح على الثقافات الأخرى بشرطين:
1- حاجة المجتمعات الإسلامية لذلك.
2- عدم التعارض مع الدين الإسلامي.
ويأتي دور الأزهر الشريف في الحفاظ على مصادر الثقافة الإسلامية في السنغال
مصادر الثقافة الإسلامية مصادر مباشرة وغير مباشرة
أما المصادر المباشرة فهي (القرآن الكريم- السنة النبوية – الإجماع- الاجتهاد ويدخل فيه القياس والمصلحة المرسلة وسد الذرائع والاستحسان إلخ)
فيقوم الأزهر الشريف بتدريس هذه المصادر المباشرة بصورة موسعة وتتميز بالعمق والإدراك وسلامة الفهم، وحسن العرض.
ويعتمد فيها على الجمع بين تقدير التراث ومناسبة الواقع والوقائع، وفي طرق التعليم يجمع بين ثنائية التلقين والإبداع، فالتلقين: وهو أحد أساليب التعليم لضبط المتلقي للرواية عن الأشياخ – وهذه صورة لازمة في الجانب التعليمي لمشافهة الأشياخ في حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية.
والإبداع: فهو يحث الطلاب على التفكير الإبداعي لاستثمار المعلومات وتوظيفها، والاستنباط منها بما يناسب نوازل كل زمن، ويأتي هذا في إطار توجيهات الشريعة الإسلامية بفتح باب الاجتهاد وإعمال العقل.
والأزهر الشريف كمدرسة علمية معتبرة (حارس العقيدة وصَّيْرَفِيُّ الشريعة وحامي الثقافة الإسلامية وحصن الفكر).
فالعلوم الشرعية تنقسم إلى علوم غاية و علوم آلة: فهو يدرس علوم الآلات التي يستعان بها على فهم علوم الغايات فتراه يدرس بجوار القرآن الكريم وتفسيره (علوم القرآن الكريم والتجويد والقراءات، وعلوم اللغة العربية (النحو والصرف والبلاغة والأدب والنصوص) وهي خادمة للقرآن الكريم وتفسيره بل هي الباب الأول لفهمه وتدبره)
وبجوار تدريس السنة النبوية يدرس علوم السنة (المصطلح وعلوم الإسناد والرجال والعلل).
وبجوار علوم العقيدة والفقه: (المنطق لصون الذهن من الخطأ في التفكير، وأصول الفقه والقواعد الفقهية لسلامة الاستدلال..إلخ).
والإجماع والاجتهاد كمصادر مباشرة للثقافة الإسلامية يجمعهم باب الفقه وأصوله.
فكل هذه الدراسات السابقة لنشر ثقافة إسلامية صحيحة تسلم من الانحراف في النقل، ومن الضلال في الفهم.
بل إن الأزهر لا يقف عند هذه المصادر المباشرة للثقافة الإسلامية بل يتجاوزها إلى المصادر غير المباشرة: كـ(اللغة العربية- العلوم العقلية- الحضارة الإسلامية- منجزات الأمم الأخرى بضوابطها)
فاللغة العربية هي الواسطة التي يتم التعرف من خلالها على الثقافة الإسلامية- والأزهر الشريف يتوسع في علوم العربية بوجه لا أكون مبالغًا إن قلت – يعز على النظير- فهو يدرس في أروقته أمهات كتب التراث في اللغة العربية بجميع فروعها.
وأما العلوم العقلية منها: الطبيعية: التي تمس الكون، والإنسانية: التي تمس الإنسان، والصورية: التي تمس عالم الأشياء، فخريجي الأزهر الشريف ضربوا فيها بحظ وافر، ونصيب كبير.
وليسوا بدعًا في هذا فتاريخ المسلمين مشرق في المجالات الكونية والطبيعية بما كان فيه غيرهم عالة عليهم.
وأما تراث الحضارة الإسلامية بشقيها (المادي والمعنوي) فالاستفادة منه تكملة للبناء في الحاضر، واستشرافًا للمستقبل وشعارهم قول القائل:
لَسنا وَإِن أَحسابُنا كَرُمَت
مِمَّن عَلى الأَحسابِ يَتَّكِلُ
نَبني كَما كانَت أَوائِلُنا
تَبني وَنَفعَلُ مِثلَ ما فَعَلوا
فوجود البعثة الأزهرية في دولة السنغال امتدادًا لدور الأزهر الشريف في تحصين ثقافة الشعوب الإسلامية ضد الاختراق الثقافي، والأفكار الضارة الوافدة، والتيارات المنحرفة.
ولا شك أن الجيل القادم الذي تأسس علميًا وتحصن ثقافيًا، يستطيع أن يواجه آثار الاستعمار الفرنسي الذي عانت منه دولة السنغال زمنًا -والتي لازالت موجودة- بالحفاظ على الهوية، وعدم الانبطاح أمام الغزو الفكري، وتسليم الراية له، أو التأثر بالجانب السلبي الذي يعمل على زعزعة المقدسات، والإساءة للموروثات، ونزع القيم والمباديء.
وسيكون حاله أمام هذا البناء الإنساني الشامخ:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها
فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ
نسأل الله أن يحفظ الأزهر الشريف ورجاله المخلصين، ونشكر دولة السنغال حكومة وشعبًا على هذا التعاون العلمي.

رئيس البعثة الأزهرية في السنغال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. بحث قيم جدا ومفيد كما أن يتصف بالتسلسل المنطقي فعلا بحث في غاية الروعة والجمال والإفادة.

  2. لا فض فوك يا شيخ محمد، وهنيئا للأزهر بفضيلتكم ولكم بالأزهر الشريف ، ودام التعاون بيننا وبين شعب السنغال الشقيق ، حفاظا على الإسلام وروافده الأصيلة

  3. بارك الله في رجال بعثة الأزهر الشريف وحفظهم .. خير سفراء للإسلام في خير المسلمين أن شاء الله أعانكم الله على نشر الخير ❤️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى