actualite

الشيخ عرفان جوف ومدرسته الدعوية في السنغال.

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا﴾ الأحزاب 23
بقلوب مؤمنة بقضاء الله، وببالغ الحزن والأسى، تلقيت كما تلقى الكثيرون غيري من أبناء الدعوة الإسلامية في السنغال وخارجهنبأ وفاة الداعية الإسلامي السنغالي المعروف على مستوى قطر السنغال وعلى مستوى المنظمات الحقوقية وخاصة تلك المهتمة بالقضية الفلسطينية، ولولا أننا على يقين أن بعد هذا الفراق الأليم لقاء، ولولا أننا على أمل أن يكون هذا اللقاء في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، لولا ذلك لتقطعت أكبادنا حزنًا وأسىً على فراق من نحب، فاللهم كما جمعتنا به في الدنيا على محبتك، فاجمعنا به في مستقر رحمتك مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والشيخ عرفان جوف كما أعرفه وكما عرفت عنه أحد أبرز دعاة التجديد للدعوة الإسلامية في السنغال، ولد بداكار السنغال سنة ١٩٧١م، وفيها تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي، ثم سافر بعد ذلك إلى مصر ليتم تعليمه الثانوي فالجامعي متخصصًا في الدراسات الإسلامية والعربية، ثم حصل بعد ذلك على دبلوم الدراسات والبحوث الإفريقية بجامعة القاهرة، وعاد بعد ذلك إلى بلده السنغال حاملًا معه هموم دعوته وقضايا أمته، مؤمنًا إيمانًا عميقًا لا يمازجه ريب، ولا يخالطه شك، بأنه ليس هناك إلا فكرة الإسلام، هي القادرة على إنقاذ العالم من عذاباته، وإرشاد العالم إلى الخير الذي يرجوه وينشده، وهداية العالم سواء السبيل، فظل حياته كلها مجاهدًا في سبيل إعلانها، والتبشير بها، وحمل الناس عليها، حتى وافته منيته اليوم الثامن عشر من شهر أكتوبر لعام اثنين وعشرين بعد الألفين إثر أزمة قلبية مفاجئه، رحل عنا بجسده، وبقي لنا أثره الذي نسأل الله تعالى أن يباركه وأن يكتب له أجره إنه سميع قريب مجيب.
ولقد قدر الله لي وأكرمني بلقاء الفقيد الراحل مرات عديدة توطدت فيها علاقتي به حتى صرنا صديقين، بل أخوين تحابا في الله، لا تمر مناسبة إلا يهاتف أحدنا الآخر مهنئًا أو مواسيا، فأسبقه إلى ذلك مرة ويسبقني مرات، حيث درَّست في مدرسته:«إقرأ» بضاحية من داكار يقال لها:«اسكام باو»، ثم كان موضوع رسالتي لدرجة الماجستير حول تجديد الخطاب الدعوي في السنغال، وكان لزامًا عليَّ أن أتعرف على الجمعيات الإسلامية العاملة على الساحة السنغالية لأقف على جوانب القصور والتميز لكل منها لنصل في النهاية إلى خطاب دعوي راشد يجمع دعاة السنغال على اختلاف مشاربهم على أصول الإسلام، فكانت جمعية الرحاب للتنمية البشرية والتي كان الشيخ عرفان جوف أبرز مؤسسيها إحدى تلك الجمعيات التي تناولتها بالدراسة، فتعرفت على الرجل، وتعرفت على مدرسته:«جمعية الرحاب»، ووقفت على أفكاره وتصوراته وآماله وطموحاته والتي صبغ بها جمعيته، فصاغ لها مع رفقائه والمؤمنين بفكرته أهدافها، وحددوا لها وسائلها، وخطوا لها علاقاتها بالجمعيات الأخرى سواء الموازية لدعوتهم أو المناوئة لها، ورأيت كم يحظى الرجل وجمعيته بين المؤمنين بفكرته من أبناء المجتمع السنغالي من تقدير واحترام ، وكان أكثر ما لفت انتباهي، هي تلك الصبغة الإسلامية التي استطاع هذا المربي الناجح أن يصبغ بها أعضاء جمعيته حتى صاروا جميعًا وكأنهم روح في أجساد، أو حقيقة في أشكال!
صبغة إسلامية ولكنها سنغالية بامتياز، تقدر السابقين، وتحترم المخالفين، وتقدر جيدًا طبيعة الشخصية السنغالية وموروثاتها الثقافية والاجتماعية ، وتقف جيدًا على التحديات التي تواجه وطنهم، فتراهم يمدون جسور التواصل مع الجميع دون تمييز لما فيه صلاح لوطنهم وأبناء أمتهم، ويوصلون دعوتهم وفكرتهم إلى الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا شك أن تلامذة ورفقاء الشيخ عرفان جوف رحمه الله من أبناء جمعيته ان ظلوا أوفياء لهذه المباديء، مؤمنين بها، صادقين في العمل لها كما كان رحمه الله ؛ فلسوف تسود هذه المباديء المجتمع السنغالي حتى تصبح السنغال من أعظم بلاد الإسلام دينًا وأخلاقًا وقوة وحمية لقضايا الأمة، وهي كذلك الآن، وستصير أقوى وأقوى بإذن الله بالمخلصين من أبنائها، وما ذلك على الله بعزيز.
ومن صور جهاد الفقيد رحمه الله، واهتمامه بالشأن العام، وتفاعله مع قضايا أمته، تأسيسه مع رفقائه المؤمنين بفكرته لجمعية الرحاب الدعوية، والتي لها نشاطها البارز في المجالين الدعوي والخيري، فلقد قامت هذه الجمعية بتأسيس العديد من المساجد والمدارس التي تعني بالتعليم العربي الإسلامي، كما قامت بإنشاء العديد من الآبار التي ينتفع بها العديد من أبناء السنغال،هذا فضلًا عن كفالة العديد من الأيتام، وتوفير لحوم الأضاحي و المواد الغذائية التي يحتاجها الكثير من أبناء السنغال في رمضان…وتأسيسه لمعهده الإسلامي:«إقرأ» المعني بتدريس علوم الشريعة واللغة العربية، ومشاركته في الاتحاد العالمي للمنظمات الطلابية، وترأسه لاتحاد طلاب غرب إفريقيا، ثم كانت جمعية الرحاب من أبرز المشاركين في تأسيس التحالف الوطني لدعم القضية الفلسطينية في السنغال مع جمعيات أخرى أهمها: جماعة عباد الرحمن، والاتحاد الثقافي الإسلامي، ورابطة الأئمة والدعاة،تم ذلك في عام ٢٠١٣م ، وتم انتخابه رحمه الله منسقًا عامًّا لها، وكان رحمه الله عضوًا في الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين، وكان كذلك عضوًا بمجلس شورى رابطة الأئمة والدعاة في السنغال…
كانت هذه نبذة بسيطة عما علمناه وخبرناه عن الشيخ الراحل، ولا نزكيه على الله، وما عرفناه عن مدرسته الدعوية التي كان من أبرز مؤسسيها، والتي نسأل الله جل في علاه أن يباركها وأن يجعلها من أحسن الأثر الذي يعود عليه نفعه حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ونحن وإن كنا نودعه وقلوبنا تعتصر حزنًا وأسى، فلا نملك إلا أن ندعو الله جل في علاه أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى، إنه سميع قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى