Articles

-أمنيات الشيخ صالح المغامسي
..أمةُ “اقـرأ” لا تقرأُ ولا تفكِّر ولا تدعُ من يحلمُ يحلم !!

بقلم فاضل المأمون

ما ذهب إليه الشيخ صالح المغامسي أنه يرجو من الله سبحانه وتعالى أن ينشَأ على يديه مذهبٌ فقهي إسلامي جديد، ما هو سوى مجرد حلمٍ يريد صاحبه تحقيقه، فلا أدري ما السبب وراء هذه الهجمات والردود وما إلى ذلك.
ويبقى السؤال إذا ما كانت الأمة في حاجة إلى مذهب فقهي جديدٍ أم لا؟
إنَّ بداية لعنة الانحطاط الذي أصاب الأمة الإسلامية كانت عندما اعتقدوا أنَّ العصور الذهبية للفقه الإسلامي تُمثل المرحلة التي اكتمل فيها الفقه، وأغلق فيها باب الاجتهاد، والحقيقة أن تلك العصور لم تكن سوى عبارةٍ عن علماء أجلَّاء فهموا واقعَهم، وأدركوا المتغيرات الجديدة التي اطرأتْ عصرهم، وملكوا الجرأة في الاستنباط، والبصيرة في فهم المقاصد الشرعية، فظهر أمثال أبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري والشافعي، وابن داود الظاهري، وابن حنبل، وغيرهم كثيرون من العلماء الأجلَّاء.
وجاءت بعد هذا العصر مرحلة طويلة عرِفَ بعصر الانحطاط، لقلة العلماء المجتهدين الذين يقدرون على سبر أغوار التراث الإسلامي، وإعادة النظر في مدى صحتها، ودرجتها، ومراجعة الأحكام المتعلقة بالثوابت والمتغيرات، ودراسة النوازل الجديدة وفق المقاصد الشرعية العامة، فظهر من العلماء ابن تيمية رحمه الله، وابن القيم الجوزي ذاك العملاق الفحل، بينما بقي أبرز العلماء في العصر الذي يعرف بعصر “الانحطاط” بين تلخيص مفصلٍ، وشرح ملخَّصٍ، وتهذيب مطوَّل، وتحشية غامضٍ، ونظم منثورٍ، ونثر منظوم وجمع مفرَّقٍ. وانقطعت صلة العلماء بالإبداع، والاجتهاد الفقهي، ومحاولة فهم واقعهم، كما كان الحال في العصور الذهبية.
إلاَّ أنَّ الحاجة إلى دراسة التراث الإسلامي، وتأويلاته كان أقل شدة مما هو عليه الآن في العصر الحديث، إذ إن الفجوة التي كانت بين العصور الذهبية وما يعرف بعصر الانحطاط لم تكن كبيرة إلى حدٍّ ما، فالأنظمة السياسية كانت هي ذاتها، وكذلك النظام العالمي، والعلاقات بين الأوطان والدول الإسلامية وغير الإسلامية، ولم تكن هناك قفزةٌ علمية كبيرةً تقدر على تغيير تلك الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما هو الحال في العصر الحديث.
لكن، في العصرِ الحديث انقلبت الأمور رأسًا على العقب، وتغيَّرت القوانين والأنظمة العالمية، وصار العالمُ بمثابة قريةٍ صغيرة، فالخبر الذي ينطلق من المملكة السعودية قد يصل إلى الولايات المتحدة في غضون خمس ثواني، ووباء كورونا الذي يظهر في الصين قد يصل إلى المملكة المغربية قبل خمس ساعات، والقنبلة الذرية التي تطلقها روسيا تقدر على تدمير قارةٍ بأكملها، وظهرت متغيراتٌ كثيرة في الحياة الفردية، والمجتمعية على حدٍّ سواء، يمكن اعتبار هذا التغير استدارةً بدرجة 360°، وباتت الأمة في حاجة إلى قاعدة “أنتم أعلمُ بأمور دنياكم” وكذلك “إلى مقتضيات واقعكم”.
وعلى ذلك فإنَّ الأمة في حاجة إلى علماء ينهلون التراث الإسلامي، وآراء العلماء القدماء، ويدركون جيدا المقاصد الشرعية ونظرياتها، وكذلك يميزون بين ما هو ثابت ومتغيرٌ، وما هو متواتر وآحاد، وما هو نصّ صريح وفهم مأوَّل، وبعد ذلك يفهمون مقتضيات عصرهم، ومصالح أمَّتهم، ليخرجوا بعد ذلك بمذهب جديد يتواكبُ مع مقتضيات العصر، دون المساس من ثوابت الدين، بعيداً عن جمود أصحاب الفكر الرجعي الذين يقدّسون العصور الذهبية، ولا يرون الخير في أي شيء جديدٍ، وبعيداً أيضاً عن أصحاب الفكر الحداثي الذين يسعون إلى إلغاء جميع الأحكام الدينية، ونسخِ الآراء التي جاء بها الغرب طبق الأصل. ليبقى في النهاية مذهباً وسطاً بين هذا وذاك، يتأكَّدُ فيه أنَّ الإسلام دين يُسر لا عسرٍ، ودين عقلٍ لا خرافات، ودينٌ يواكب مقتضيات عصره، لا جامد في عصر واحدٍ، ودين منفعة للأمة الإسلامية وللإنسانية جمعاء لا دين عداوة بلا سبب، أو مشقة بلا هدف، أنَّه دينٌ جاء لإنقاذ البشرية في الأمور الحسية والروحية، والدنيوية والأخروية.

كاتب وباحث كولخ_السنغال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى